فصل: تفسير الآية رقم (72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (72):

{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}
{قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} أصل معنى {رَدِفَ} تبع والمراد به هنا لحق، ووصل وهو مما يتعدى بنفسه وباللام كنصح.
وقيل: اللام مزيدة لتأكيد وصول الفعل إلى المفعول به كما زيدت الباء لذلك في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195]، وقيل: إن اللام لتضمين {رَدِفَ} معنى دنا وهو يتعدى باللام كما يتعدى بمن وإلى كما في الأساس ولتضمينه ذلك عدي بمن في قوله:
فلما ردفنا من عمير وصحبه ** تولوا سراعًا والمنية تعنق

وقيل: اللام داخلة على المفعول لأجله والمفعول به الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه محذوف أي {رَدِفَ} الخلق لأجلكم ولا يخفى ضعفه، وقيل: إن الكلام تم عند {رَدِفَ} على أن فاعله ضمير يعود على الوعد، ثم استأنف بقوله تعالى: {لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} على أن {بَعْضُ} مبتدأ، و{لَكُمْ} متعلق حذوف وقع خبرًا له، ولا يخفى ما فيه من التفكيك للكلام والخروج عن الظاهر لغير داع لفظي ولا معنوي، والمعنى قل عسى أن يكون لحقكم ووصل إليكم بعض الذي تستعجلون حلوله وتطلبونه وقتًا فوقتًا، والمراد بهذا البعض عذاب يوم بدر، وقيل: عذاب القبر وليس بذاك، ونسبة استعجال ذلك إليهم بناءًا على ما يقتضيه ما هم عليه من التكذيب والاستهزاء وإلا فلا استعجال منهم حقيقة، والترجي المفهوم من عسى قيل: راجع إلى العباد.
وقال الزمخشري: إن عسى. ولعل. وسوف في وعد الملوك ووعيدهم تدل على صدق الأمر وجده وما لا مجال للشك بعده، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم وأنهم لا يعجلون بالانتقام لإدلالهم بقهرهم وغلبتهم ووثوقهم بأن عدوهم لا يفوتهم وأن الرمزة إلى الإغراض كافية من جهتهم، فعلى ذلك جرى وعد الله تعالى ووعيده سبحانه انتهى.
وعليه ففي الكلام استعارة تمثيلية ولا يخفى حسن ذلك، وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال: عسى أن يردفكم إلخ لكونه أدل على تحقق الوعد، وقرأ ابن هرمز {رَدِفَ} بفتح الدال وهو لغة فيه.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)}
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} أي لذو إفضال وإنعام كثير على كافة الناس، ومن جملة إفضاله عز وجل وإنعامه تعالى تأخير عقوبة هؤلاء على ما يرتكبونه من المعاصي {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} أي لا يشكرون جل وعلا على إفضاله سبحانه عليهم ومنهم هؤلاء، وقيل: لا يعرفون حق فضله تعالى عليهم تعبيرًا عن انتفاء معرفتهم ذلك بانتفاء ما يترتب عليها من الشكر.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)}
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} أي ما تخفيه من الأسرار التي من جملتها عداوتك {وَمَا يُعْلِنُونَ} أي وما يظهرونه من الأقوال والأفعال التي من جملتها ما حكى عنهم فليس تأخير عقوبتهم لخفاء حالهم عليه سبحانه، أو فيجازيهم على ذلك، وفعل القلب إذا كان مثل الحب. والبغض. والتصديق. والتكذيب. والعزم المصمم على طاعة. أو معصية فهو مما يجازي عليه، وفي الآية إيذان بأن لهم قبائح غير ما حكى عنهم، وتقديم الاكتنان ليظهر المراد من استواء الخفي والظاهر في علمه جل وعلا، أو لأن مضمرات الصدور سبب لما يظهر على الجوارح، وإلى الرمز إلى فساد صدورهم التي هي المبدأ لسائر أفعالهم أوثر ما عليه النظم الكريم على أن يقال: وإن ربك ليعلم ما يكنون وما يعلنون.
وقرأ ابن محيصن. وحميد. وابن السميقع {تَكُنْ} بفتح التاء وضم الكاف من كن الشيء ستره وأخفاه.

.تفسير الآية رقم (75):

{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)}
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السماء والأرض} أي من شيء خفي ثابت الخفاء فهيما؛ على أن {غَائِبَةٍ} صفة غلبت في هذا المعنى فكثير عدم إجرائها على الموصوف ودلالتها على الثبوت وإن لم تنقل إلى الإسمية كمؤمن وكافر، فتاؤها ليست للتأنيث إذ لم يلاحظ لها موصوف تجري عليه كالراوي للرجل الكثير الرواية فهي تاء مبالغة، ويجوزأن تكون صفة منقولة إلى الاسمية سمي بها ما يغيب ويخفى، والتاء فيها للنقل كما في الفاتحة، والفرق بين المغلب والمنقول على ما قال الخفاجي إن الأول يجوز إجراؤه على موصوف مذكر بخلاف الثاني.
والظاهر عموم الغائبة أي ما من غائبة كائنة ما كانت {أَلا فِي كتاب مُّبِينٍ} أي بين، أو مبين لما فيه لمن يطالعه وينظر فيه من الملائكة عليهم السلام وهو اللوح المحفوظ، واشتماله على ذلك إن كان متناهيًا لا إشكال فيه وإن كان غير متناه ففيه إشكال ظاهر ضرورة قيام الدليل على تناهي الأبعاد واستحالة وجود ما لا يتناهى، ولعل وجود الأشياء الغير المتناهية في علم الله تعالى في اللوح المحفوظ على نحو ما يزعمونه من وجود الحوادث في الجفر الجامع وإن لم يكن ذلك حذو القذة بالقذة.
وقيل: المراد بالكتاب المبين علمه تعالى الأذلي الذي هو مبدأ لإظهار الأشياء بالإرادة والقدرة، وقيل: حكمه سبحانه الأذلي وإطلاق الكتاب على ما ذكر من باب الاستعارة ولا يخفى ما في ذلك.
وقيل: المراد به القرإن واشتماله على كل غائبة على نحو ما ذكرنا في اشتمال اللوح المحفوظ عليه، وقد ذكر أن بعض العارفين استخرج من الفاتحة أسماء السلاطين العثمانية ومدد سلطنتهم إلى آخر من يتسلطن منهم أدام الله تعالى ملكهم إلى يوم الدين ووفقهم لما فيه صلاح المسلمين.
وذكر بعضهم في هذا الوجه أنه مناسب لما بعد من وصف القرآن وفيه ما فيه، وقال الحسن: الغائبة هو يوم القيامة وأهوالها، وقال «صاحب الغنيان»: الحوادث والنوازل، وقيل: أعمال العباد، وقيل: ما غاب من عذاب السماء والأرض، والعموم أولى، وروى ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عنه أنه قال: في الآية يقول سبحانه: ما من شيء في السماء والأرض سرًا وعلانية إلا يعلمه سبحانه وتعالى، وأخذ منه بعضهم حمل الكتاب على العلم الأزلي، وفيه نظر لجواز أن يكون قد جعل كون ذلك في كتاب مبين كناية عن علمه تعالى به.
وذهب أبو حيان إلى أنه رضي الله تعالى عنه اعتبر في الآية حذف أحد المتقابلين اكتفاءًا بالآخر وكلامه رضي الله تعالى عنه محتل لذلك، ويحتمل أنه ذكر العلانية في بيان المعنى لأن من علم السر علم العلانية من باب أولى، ويحتمل أن ذلك لأنه ما من علانية إلا وهي غيب بالنسبة إلى بعض الأشخاص، فيكون قد أشار رضي الله تعالى عنه ببيان المعنى وذكر السر والعلانية فيه إلى أن المراد بغائبة في الآية ما يشملهما وهو ما اتصف بالغيبة أعم من أن تكون مطلقة أو إضافية كذا قيل فتدبر.

.تفسير الآية رقم (76):

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)}
{إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِى إسراءيل أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} لما ذكر سبحانه ما يتعلق بالمبدأ والمعاد ذكر تعالى ما يتعلق بالنبوة فإن القرآن أعظم ما تثبت به نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فذكر جل وعلا أنه يقص على بني إسرائيل، والمراد بهم كما روى عن قتادة اليهود. والنصارى أكثر ما تجدد واستمر اختلافهم فيه على وجه ويبين لهم حقيقة الأمر فيه وذلك مما يقتضي إلاسمهم لو تأملوا وأنصفوا لكنهم لم يفعلوا وكابروا مثلكم أيها المشركون، ومما اختلفوا فيه أمر المسيح عليه السلام، فمن قائل: هو الله تعالى، ومن قائل: ابن الله سبحانه، ومن قائل: ثالث ثلاثة، ومن قائل: هو نبي كغيره من الأنبياء عليهم السلام، ومن قائل: هو وحاشاه كاذب في دعواه النبوة وينسب مريم فيه إلى ما هي منزهة عنه رضي الله تعالى عنها وهم اليهود الذين كذبوه، وأمر النبي المبشر به في التوراة، فمن قائل: هو يوشع عليه السلام، ومن قائل: هو عيسى عليه السلام، ومن قائل: إنه لم يأت إلى الآن وسيأتي آخر الزمان.
ووما اختلفوا فيه أمر الخنزير فقالت اليهود: بحرمة أكله، وقالت النصارى: بحله إلى غير ذلك.

.تفسير الآية رقم (77):

{وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
{وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} على الإطلاق فيدخل فيهم من آمن من بني إسرائيل دخولًا أوليًا، وتخصيص المؤمنين بهم كما فعل بعضهم خلاف الظاهر، وتخصيص المؤمنين بالذكر مع أنه رحمة للعالمين لأنهم المنتفعون به.

.تفسير الآية رقم (78):

{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)}
{إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم} أي بين بني إسرائيل الذين اختلفوا أو بين المؤمنين وبين الناس {يحُكْمه} قيل: أي بحكمته جل شأنه، ويدل عليه قراءة جناح بن حبيش بحكمه بكسر الحاء وفتح الكاف جمع حكمة مضاف إلى ضميره تعالى، وقيل: المراد بالحكم المحكوم به إطلاقًا للمصدر على اسم المفعول، والمراد بالمحكوم به الحق والعدل، وعلى الوجهين لم يبق على المعنى المصدري، والداعي لذلك أن يقضي عنى يحكم فلو بقي الحكم على المعنى المصدري لصار الكلام نحو قولك: زيد يضرب بضربه وهو لا يقال مثله في كلام عربي، وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى يضرب بضربه وهو لا يقال مثله في كلام عربي، وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى يضرب بضربه المعروف بالشدة مثلًا، فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف لابسة الحق، أو يحكم بحكم نفسه تعالى لا بحكم غيره عز شأنه كالبشر، وقيل عليه: ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر إلى ضمير الفاعل فإنه لا كلام في صحته كإضافته إلى ضمير المفعول في {سعى لها سعيها} [الإسراء: 19] إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد، ثم إن المعنى الأول يوهم أن له سبحانه حكمًا غير معروف لابسة الحق، والثاني إنما يظهر لو قدم بحكمه، وفيه أنه على ما ذكر ليس صدر مؤكد، وعدم الجواز في المصدر النوعي لاسيما إذا كان من غير لفظه ليس سلم، وأيضًا الظاهر أن المانع بزعم المؤول لزوم اللغوية لو لم يؤول بما ذكر، والأولى إبقاؤه على المصدرية، وجل الإضافة للعهد، وكون المعنى كما قال المورد: يحكم بحكمه المعروف لابسة الحق وأمر التوهم على طرف الثمام؛ وأيًا ما كان فالضمير المجرور عائد على الرب سبحانه وعوده على القرآن على أن المعنى يحكم بالحكم الذي تضمنه القرآن واشتمل عليه من إثابة المحق وتعذيب المبطل وحينئذ لا يحتاج إلى كثرة القيل والقال لا يخفى ما في من القيل والقال على من له أدنى تمييز بأساليب المقال: {يَشَاء وَهُوَ العزيز} فلا يرد حكمه سبحانه وقضاؤه جل جلاله {العليم} بجميع الأشياء التي من جملتها ما يقضي به، والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (79):

{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)}
{فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} لترتيب الأمر على ما ذكر من شؤونه عز وجل فإنها موجبة للتوكل عليه تعالى وداعية إلى الأمر به؛ وفي ذكره تعالى بالاسم الجامع تأييد لذلك أي فتوكل على الله الذي هذا شأنه فإنه يوجب على كل أحد أن يتوكل عليه ويفوض جميع أموره إليه جل وعلا، وقوله تعالى: {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} تعليل صريح للتوكل عليه تعالى بكونه عليه الصلاة والسلام على الحق البين. أو الفاصل بينه وبين الباطل. أو بين المحق والمبطل فإنه كونه صلى الله عليه وسلم كذلك مما يوجب الوثوق بحفظه تعالى ونصرته وتأييده لا محالة، وقوله سبحانه: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} إلخ تعليل آخر للتوكل الذي هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه سبحانه والإعراض عن التشبث بما سواه، وقد علل أولًا بما يوجبه من جهته تعالى أعني قضاءه عز وجل بالحق وعزته وعلمه تبارك وتعالى، وثانيًا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين أعني كونه صلى الله عليه وسلم على الحق ومن جهته تعالى على الوجه الآخر أعني إعانته تعالى وتأييده تعالى للمحق، ثم علل ثالثًا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى، فإن كونهم كالموتى. والصم. والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسًا، وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى، وهو المعنى بالتوكل عليه جل شأنه، وجوز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ} إلخ استئنافًا بيانيًا وقع جوابًا لسؤال نشأ مما قبله، أعني إنك على الحق المبين كأنه قيل: ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق المبين فقيل: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} إلخ.
وتعقيب بأنه يأباه السياق، واعترض بالمنع وإنما شبهوا بالموتى على ما قيل لعدم تأرهم بما يتلى عليهم من القوارع، وإطلاق الأسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات، وقيل: لعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمى مزيد مزية وكأنه لهذا في البحر: أي موتى القلوب، أو شبهوا بالموتى لأنهم لا ينتفعون بما يتلى عليهم فقدم احتمال نسبة الموت إلى قلوبهم.
وتعقب بأن ماذكر تخيل بارد لأن القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع، وما ذكر أولًا من أنهم أنفسهم شبهوا بالموتى هو الظاهر، ووجهه أن على طريق التسليم والنظر لأحوالهم كأنه قيل: كيف تسمعهم الأرشاد إلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضًا لأنهم صم، وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه، ثم إنا لو أسمعناهم أيضًا فهم عمى لا يهتدون إلى العمل بما يسمعون، وهذا خاتمة أمرهم، ويعلم من هذا ما في ذلك من مزيد المزية الخالية عن التكلف. وجوز أن يكون التشبهي لطوائف على مراتبهم في الضلال، فمنهم من هو كالميت. ومن هو كالأصم. ومن هو كالأعمى، وهو وإن كان وجهًا خفيف المؤنة إلا أنه خلاف الظاهر أيضًا.